عدد مستخدمي الإنترنت في العالم: تطوّر رقمي يغيّر وجه البشرية
لقد أصبحت شبكة الإنترنت العمود الفقري للحياة الحديثة، وجزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمعات البشرية في كل مكان. لا يمكن تخيّل عالم اليوم من دون الإنترنت الذي يُعدّ من أعظم الاختراعات في التاريخ الإنساني الحديث. فمع توسّع شبكات الاتصال وتطوّر البنية التحتية الرقمية، ازداد عدد مستخدمي الإنترنت حول العالم بشكل لافت، حتى أصبحت هذه الشبكة العنكبوتية وسيلة رئيسية للتواصل والتعليم والعمل والترفيه والتجارة والإدارة والحصول على المعلومات. يشكّل تحليل أعداد مستخدمي الإنترنت وتتبع نموّهم أحد المؤشرات الحيوية لفهم التحولات العالمية في الاقتصاد، والتعليم، والثقافة، والتنمية البشرية.
النمو التاريخي لاستخدام الإنترنت: من النخبة إلى المليارات
بدأ الإنترنت كشبكة بحثية أكاديمية تُعرف بـ “أربانت” (ARPANET) في ستينيات القرن العشرين، ثم تطوّر في الثمانينيات والتسعينيات ليأخذ شكله التجاري العالمي الذي نعرفه اليوم. في عام 1995، لم يكن عدد مستخدمي الإنترنت يتجاوز 16 مليون شخص، أي ما يعادل أقل من 0.5% من سكان العالم آنذاك. أما اليوم، فقد تجاوز عدد مستخدمي الإنترنت 5.5 مليار مستخدم نشط، أي ما يمثل أكثر من 68% من سكان العالم، وفقاً لتقديرات عام 2025 بناءً على أحدث التقارير الصادرة عن الاتحاد الدولي للاتصالات (ITU) وDatareportal.
توزيع مستخدمي الإنترنت حسب القارات
يُظهر الجدول التالي التوزيع الجغرافي التقريبي لمستخدمي الإنترنت حسب القارات، وهو يسلّط الضوء على الفجوة الرقمية بين العالم المتقدم والدول النامية:
| القارة | عدد المستخدمين (بالمليار) | النسبة من إجمالي المستخدمين |
|---|---|---|
| آسيا | 2.8 | 50.9% |
| أوروبا | 0.8 | 14.5% |
| أفريقيا | 0.6 | 10.9% |
| أمريكا الشمالية | 0.45 | 8.1% |
| أمريكا اللاتينية | 0.45 | 8.1% |
| أوقيانوسيا | 0.04 | 0.7% |
تشير هذه الأرقام إلى أن آسيا، بفضل الكثافة السكانية الهائلة في الصين والهند وإندونيسيا، تضم أكبر عدد من مستخدمي الإنترنت. بالمقابل، تعاني أفريقيا من فجوة رقمية كبيرة رغم التقدّم في انتشار الهواتف الذكية والبنية التحتية.
العوامل المؤثرة في نمو استخدام الإنترنت
تتداخل العديد من العوامل التي تؤثر على معدلات استخدام الإنترنت في مختلف مناطق العالم، منها:
1. التقدّم التكنولوجي
ساهم الابتكار في شبكات الاتصالات مثل الجيل الرابع والخامس (4G و5G) في توفير إنترنت أسرع وأكثر موثوقية، ما ساعد في إدماج شرائح أكبر من السكان، خصوصاً في المناطق الريفية والنامية.
2. أسعار خدمات الإنترنت
تلعب كلفة الوصول إلى الإنترنت دوراً محورياً، حيث لا يزال ارتفاع الأسعار في بعض الدول عائقاً كبيراً أمام التوسّع في الاستخدام، وخاصة في الدول ذات الدخل المنخفض.
3. انتشار الهواتف الذكية
أدى النمو السريع في سوق الهواتف الذكية إلى تسهيل وصول الإنترنت إلى الأفراد، حيث أصبحت الهواتف أداة رئيسية للتصفح والتواصل والتعليم والترفيه.
4. دور الحكومات والسياسات الرقمية
تساهم الاستراتيجيات الوطنية للتحوّل الرقمي في تعزيز البنية التحتية للإنترنت، وإتاحة الخدمات الإلكترونية، وتحفيز مشاركة المواطنين رقمياً.
5. التحول الرقمي للمجتمعات
ساهمت جائحة كوفيد-19 في تسريع التحوّل الرقمي، خاصة في التعليم والعمل عن بعد والخدمات الصحية، ما زاد من الحاجة لاستخدام الإنترنت بشكل يومي.
الإنترنت في العالم العربي
شهدت الدول العربية نمواً ملحوظاً في عدد مستخدمي الإنترنت خلال العقد الأخير. فدول الخليج مثل الإمارات والسعودية وقطر تسجّل نسب استخدام تتجاوز 95% من السكان، بينما تشهد بلدان مثل مصر والمغرب والجزائر زيادات سنوية مستمرة مع توسّع التغطية وتراجع أسعار الخدمة.
وفقاً لتقارير “Internet World Stats”، يقدّر عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي بأكثر من 500 مليون مستخدم في عام 2025، بنسبة تغلغل تفوق 70%. ومع ذلك، لا تزال بعض الدول العربية مثل اليمن والسودان وموريتانيا تعاني من ضعف البنية التحتية الرقمية، ما يؤثر على فرص الوصول العادل للشبكة.
تطوّر الإنترنت حسب الفئات العمرية والاجتماعية
لم يعد الإنترنت حكراً على الشباب أو المثقفين فقط، بل أصبح متاحاً لكل الأعمار والطبقات الاجتماعية. تشير الإحصاءات إلى أن الفئة العمرية ما بين 18 و34 عاماً تمثل النسبة الأكبر من المستخدمين النشطين، تليها فئة 35-54 عاماً. كما ارتفع معدل استخدام الإنترنت بين كبار السن (فوق 60 عاماً) في الدول المتقدمة نتيجة التقدّم التقني وتنامي الخدمات الصحية والاجتماعية الرقمية.
أما من حيث النوع الاجتماعي، فإن الفجوة بين الذكور والإناث في الوصول إلى الإنترنت بدأت بالتقلّص، خاصة في المجتمعات التي تستثمر في تمكين النساء رقمياً، إلا أنها لا تزال قائمة في مناطق من أفريقيا وآسيا.
تأثير عدد المستخدمين على الاقتصاد العالمي
إن تزايد عدد مستخدمي الإنترنت له تأثيرات اقتصادية شاملة، ويمكن تلخيص بعضها فيما يلي:
-
نمو التجارة الإلكترونية: حيث يتسوق مئات الملايين من الأفراد عبر الإنترنت، ما يعزز الاقتصاد الرقمي العالمي.
-
فرص العمل الحر والعمل عن بعد: خلق الإنترنت مجالات عمل جديدة، خاصة في البرمجة والتصميم والتسويق الإلكتروني.
-
تحسين الوصول إلى التعليم: فتحت منصات التعليم الإلكتروني آفاقاً للتعلّم المستمر في كل مكان.
-
الخدمات المالية الرقمية: أصبح الوصول إلى الخدمات البنكية والدفع الإلكتروني أكثر سهولة من أي وقت مضى.
تحديات تواجه التوسع في عدد المستخدمين
رغم المكاسب الكبيرة، لا تزال هناك تحديات جوهرية تعيق وصول الإنترنت للجميع:
-
انعدام البنية التحتية: ما تزال هناك قرى ومجتمعات نائية لا تصلها خدمات الإنترنت.
-
ضعف التعليم الرقمي: نقص المهارات الرقمية يحد من استفادة بعض الفئات من الإنترنت.
-
الرقابة والانقطاعات: تلجأ بعض الحكومات إلى قطع الإنترنت لأسباب سياسية أو أمنية.
-
التهديدات الأمنية: مع ازدياد عدد المستخدمين، تزداد الحاجة لحماية الخصوصية ومكافحة الجرائم الإلكترونية.
مستقبل الإنترنت وعدد المستخدمين
من المتوقع أن يتجاوز عدد مستخدمي الإنترنت عالمياً حاجز 6.2 مليار مستخدم بحلول عام 2030، مع اقتراب العالم من تحقيق هدف “الربط الشامل”. ستشهد المرحلة المقبلة تطوّرات كبيرة في استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزّز، وإنترنت الأشياء، ما يجعل الإنترنت أكثر تكاملاً في حياة الإنسان اليومية.
مصادر ومراجع
-
International Telecommunication Union (ITU) – World Telecommunication/ICT Indicators
-
Datareportal – Global Digital Reports 2024/2025
